دمشق..لا رموش لها ولا جفون | قصة في مدينتين | الجزء العاشر

19 أغسطس  .   4 دقائق قراءة  .    946

دمشق القديمة
 

تنص الأسطورة، على أن من بدأ بتهيئة قطعة أرض لبناء دمشق فوقها، حتى قبل أن تسمى بهذا الاسم، هم من خدّام الآلهة على الارض، يتميزون بأن لا جفون لهم ولا رموش، عيونهم مفتوحة دائما، يعملون بشكل مستمر، وحين وصلوا للمرحلة الاخيرة من العمل، فتحوا بجدار كتلة جبلية، سميت لاحقا قاسيون، ثغرة ينساب منها الماء وبعد أن انتهت المهمة ألقى الخدّام بأنفسهم داخل النهر، وأصبحوا كتلة رملية معجونة بالمدينة، وهو ما يفسره السكان أنه السبب كون دمشق مدينة لا تنام.


 

تجلس رشا في بيت قديم يقع بالقرب من الساحل في بيروت، قناطر حجرية بمواجهة هواء البحر، مداخل فسحته مفتوحة عدا القسم الشمالي، تفاديا من رياح الشتاء الباردة. تقرأ النص السابق، الذي يقدم أحد الأساطير التي صاغها سكان المنطقة في وصفهم أول تكوين لمدنهم وحضاراتهم، هي عادتها قبل الدخول إلى أي مدينة جديدة، تبحث عن طريقة وصفها في نصوص الأساطير. 


 

تسمع صوت كعب السيدة سعاد، دون أن تلتفت برأسها، أصبحت تدرك توازن سيرها، " مازلت مصممة على الذهاب؟"، تسألها السيدة، لترد عليها " أريد زيارة دمشق، ليس فقط من أجل قصتك ومساعدتك، لكن أعتقد أنها ستكون محطتي التالية في كل الأحوال فإن لم أذهب غدا، سأكون هناك بعد أشهر قليلة ".


 

تجلس السيدة سعاد على رخامة بيضاء، وتسأل ضيفتها التي أصبحت بمدة قصيرة صديقتها، " أنت لا تبحثين عن الأساطير ولا عن الرموز الحضارية فحسب، أنت في رحلة عن حبيبك المسافر منذ سنوات، أو ربما تبحثين عن مغامرات تشبه شغفه، كأنك تحاولين البحث في امور ربما تجدينه فيها "، تلقي كلماتها ورشا عيونها إلى الجهة الشمالية المسدودة من الفسحة، لتكمل السيدة حديثها " أقدر لك اهتمامك بقصتي، ولكن سأطلب منك ألّا تكون أولويتك تابعي بحثك عن حبيبك، ربما تجدينه في مكان ما بعيدا، وأقول لك أكثر ابحثي عن شخص آخر تكملين حياتك معه وابتعدي عن الماضي "، كلمات كافية لتميل رشا بنظرها إلى البحر وتقف أمام السيدة سعاد، وتقول " سيدتي بالنسبة إلى حياتي فهي رهن تقديري، أما بموضوع حبيبي سأخبرك أمراً عرفته قبل وصولي إلى بيروت، إن حبيبي قد مر بدمشق وهو ربما متواجد بها أو تركها لا أعرف، البعض قال لي أنه مات، وأيضا لست متأكدة، هناك مثل معروف مرتبط بأحداث دينية، هو طريق دمشق، كل الأحداث تأخذني إلى تلك المدينة، من أجل هذا لا أريد الإيمان ولا تصديق رواية الخيميائي التي سألتني عنها في أول لقاء، ليست هناك إشارات "، لتكمل سيرها نحو نافذة تطل شرقا " أو ربما هناك إشارات، الحياة غريبة سيدة سعاد، ربما لا أجد حلاً لقصتي ولا لقصتك، لكني سأرحل وستكون محطتي الاخيرة، ومن بعدها أعود إلى بلدي وأبدأ بالكتابة ". 


 

تخرج السيدة سعاد علبة صغيرة فيها خاتم، تعطيها لرشا التي تنظر مستغربة " ربما لن نلتقي مرة أخرى، الخاتم هو ذكرى أنه من بيروت ستبدأ حياة جديدة، الحياة مليئة بالفرص وأنت جاهزة لها فقط ضعي الخاتم في اليد الصحيحة "، الدموع في عيون رشا وهي تسمع كلماتها، " واليد الصحيحة هي يدي فقط "، قالت رشا وهي تغمر سيدتها الأنيقة، وفي رأسها تردد الاسطورة، لا جفون لعيونها ولا رموش، إنما دائما مفتوحة نحو الغد.     


 
  3
  4
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
لينا شباني
27 أغسطس
قصة ساحرة... مدهشة... ملهِمة... لم تكن قراءتي للقصة مجرد مطالعة، لقد دخلتها... تغلغلتُ في حواري المدينتين. أنا التي كان لها فرحةً أن تعرف المدينتين. وحزنَ أن تسكن بعيداً عنهما. وأنا أبعد أكثر من 100 كلم عن بيروت، وأضعاف أضعافها عن دمشق. سمعتُ صوت أمواج بحر بيروت، وشممتُ عطر الشام. تحياتي
  0
  0